أنا مطمئن تماما إلى ما سمعته سنة 2009 من العالم الجزائري البروفيسور “كمال صنهاجي” المتخصص في “الأمصال” في حوار إعلامي حين قال: “لا أستبعد أن يكون فيروس “إنفلونزا الخنازير” مفتعلا، ووليد المخابر الطبية، وليس نتاج تفاعل في الطبيعة…”
لستُ متخصّصا في “البيولوجيا” أو في “الكيمياء البيولوجية”… ولكنني أزعُم أنني مخوّل بالحديث في “الأنساق” و”البرادايمات”، ومهتم، إلى درجة الحساسية، بالعلاقات الكونية والتفاعلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية بين حضارة تلفظ أنفاسها الأخيرة، وحضارة ناشئة فتية تندفع، بكل عنفوان، إلى قيادة الركب… فقد علمتني “نظرية المعرفة” ألا أتسلى بالأحداث، أو ألهو بالتفصيل التاريخي الماضي أو الحاضر، بل عليّ أن أقرأ “حركية التاريخ” وأفقهها، لأتمكن من تفسير ما يحدث حولي، ومن توضيح أسبابه، ومن توقع ثمراته وإفرازاته المستقبلية…
إن من يتأمل “نسق” الأحداث خلف “الإنفلونزا” بكل ألونها: من “الطيور” إلى “الخنازير”، ومن “كورونا” بنسخته الأولى “السعودية”، وطبعته الثانية “الصينية”؛ سيقف بوضوح لا يمسه غبش، ولا يخدشه غبر: أن كل أنواع “الإنفلوانزا” التي مرّت علينا في العقد الأخير تمر على إيقاع متناغم، واطراد موسيقي متآلف، وهذه بعض نوطاته السمفونية:
1. تظهر بوادر أعراض “للإنفلونزا” في رقعة جغرافية محدودة، وفي عيّنة معزولة من البشر؛ لنتعرف من خلالها على اسم “الفيروس” وعلى “المصطلح”… والمفارقة أننا لا نسمع بمئات الفيروسات الأخرى التي تقع معها في نفس المستوى من الخطورة، والأهمية، والحساسية…
2. “نقطة انعطاف” يتحول فيها الفيروس، إعلاميا، وعبر وسائل التواصل الاجتماعي، إلى “حالة وبائية إعلامية” متسارعة هندسيا فيغدو الموضوع منحًى وتوجُّهًا (Trend) (Tendance) عبر شبكات التواصل الاجتماعي التي أصبحنا معها لا نشاهد الواقع إلا من خلالها…
ولا ينتبه العقل الفايسبوكي، بالمناسبة، إلى أن الكثير من “الأوبئة الواقعية” لا تزال حاضرة في حياتنا اليومية وتحصد الآلاف سنويا، مثل الملاريا، والكوليرا… (في 2009 أكثر من أربعة آلاف ضحية في “زيمبابوي الشقيقة”، ولعل دماءنا نحن الأفارقة لا تستحق النعي…(، والمفارقة العجيبة أن نسبةَ التعافي عالية لدى المصابين “بإنفلونزا الخنازير” بلغت (98%)، وحاليا مع “فيروس كورونا” تبلغ (80 %) على سبيل المثال…
3. تتحرّك الهيئات الإنسانية (الممولة غالبا من شركات صناعة أدوية عالمية)، وتترجّى “منظمة الصحة العالمية” للتدخّل: لتسُنّ القوانين، وتحذّر من الفيروس الأكثر فتكا والأشد وطأً إعلاميا.
4. بعد أمد يسير، وبطريقة مفاجئة، وغير متناسقة مع “منطق البحث العلمي” و”اطراده” يتم اكتشاف الدواء والعقار في مختبر بحثي معزول، مؤمّن تجاريا، بطبيعة الحال، ببراءة اختراع… في بلد إسكندنافي مجهري، أو في غابات أستراليا الخضراء…
5. تتحرك بعده مباشرة “منظمة الصحة العالمية” لتَعُبّ الدواء (في اللغة العربية عبَّ: شرب وأشرب غيره)، وتسُنّ القوانين والإجراءات الوقائية الملزمة لاقتناء كميات الدواء والأمصال.
6. حين تستنكف إحدى الدول عن اقتناء كميات من المصل الواقي أو المضاد، فإنها تسجل بعد أيام حالة لتلك “الإنفلونزا” في إحدى مستشفياتها، وتحت تأثير الرأي العام لمواطنيها الواقع تحت مفعول شبكات التواصل الاجتماعي فإن تلك الدولة تضطر أن تقتني جرعاتها، وإن لم تسجل حالات أخرى من المصابين فإنها تضطر إلى رميها بعد أشهر في عرض البحر؛ مثلما حدث مع دولة عربية في “إنفلونزا الطيور” لو تذكرون…
7. بعد أسابيع قليلة، يُطوى الملف إعلاميا وإلكترونيّا وفايسبوكيا، ويدفن في المنسيات، ليستعد العقل الافتراضي لوباء جديد، و”لدورة وبائية إعلامية” جديدة…
من خلال مطالعاتي وقراءاتي أحس بأن “منطق الأحداث” الذي يسير به التدجين الذهني، والإلكتروني، والبيولوجي لفيروس كورونا ليبلغ حالة “الوباء” في أذهاننا: تشوبه الكثير من الأسئلة، والاستفهامات، والتناقضات، والملاحظات عن “كورونا”، وعن “الصين”، وعن موقعنا الحضاري من الإعراب، ومن هذه الملاحظات والتساؤلات ما يلي:
أ. هل صدقت نبوءة “جورج أورويل”؟ وهل نحن اليوم نعيش حربا بيولوجية بعد أن تراجعت الحرب التجارية، قبل أسابيع، نصف خطوة إلى الوراء؟ فهل هو تغيير تكتيكي بين المتنازعين: لساحة الحرب، ومفهوم المعركة، وطبيعة السلاح؟ بخاصة حين نقرأ تصريح الرئيس الصيني “تشي جين بينغ” قائلا: نحن نواجه “فيروس الشيطان” (Devil CoronaVirus)، بكل ما تحمله صورة “الشيطان” من شحنات معنوية في قاموس الدبلوماسية الشرقية…
ب. ما العلاقة بين “الفيروس” وإنتاج “المصل” والأرباح التي تجنيها شركات الدواء العالمية؟ أم أن هذا النمط من التحليل مجرد: فكر تآمُري سلبي منهزم؟
ت. هل فعلا أصبحت “المخابر البحثية” وباحثوها اللامعون، والجمعيات الخيرية في السياق الغربي، ومؤسسات “حقوق الإنسان” مجرد خدَم، وجنود، وحشم، بوعي أو بدونه، لمؤسسات التجارة العالمية مثلما يجزم به: “بركينس”، و”ميشال كولون”، و”تشومسكي”، و”المسيري”… وهلْ هُمْ مـحقون حين يُجمعون على أن “العلم الغربي”، على الطريقة الأمريكية، جعل من الباحث كالنادل في الحانة، والخادم في الخانة، لا يتحرك إلا بأجرة من سيده، وطلب من زبونه… أم أن هؤلاء المفكرين يبالغون، ويهْرِفون بما لا يعْرِفون…
ث. ينهج السياسي الصيني مع حالة “كورونا 02” إلى مخطط ينبئك بأنه ليس يواجه “فيروسا” فحسب، بل يخاطب مجتمعه ومحبيه وأعداءه، في هذه المواجهة البيولوجية”، مع كل خطوة يخطوها: فمثلا حين يمتلك الجرأة في إغلاق مدينة كاملة مثل “ووهان” دون اعتبار للأعباء الاقتصادية لخطوة مماثلة، أو حين يستعرض قدراته العملية، وسط أزمة فيروسية: ليشيد مستشفى في غضون 10 أيام… كل ذلك ينبئك أن الصيني ليس يواجه مرضا بل يخوض حربا مع “شيطان” ما…
ج. لعلي أصوغ الافتراض الآتي للباحثين، والراصدين، والنابهين: إننا بحلول “فيروس كورونا” ندشن أول “حرب بيولوجية” “مفتوحة”، فقد كانت الفيروسات السابقة (الخنازير، الطيور…) تقع في خانة البزنسة التجارية، أما “كورونا” وما بعدها حرب سياسية إستراتيجية علنيّة…
ح. إن العقل المسلم الذي ينتحل صفة رب العالمين، ويفسر أحداث “كورونا” في الصين عقابا ربانيا لها على تنكيلها بإخواننا “الإيغور المسلمين” أقرب ما يكون إلى التسلية الذهنية والشعوذة الفكرية، ولا أعرف كيف يستطيع هؤلاء وأولئك أن يفسروا ازدواجية المعاملة للسلطات الصينية لمسلمي “الإيغور” من جهة وما يلاقونه، وتعامل الدولة الصينية مع قومية الخوي أو الهو إي ” 回族المسلمة التي تحظى بتعامل أفضل وامتيازات أجود من جهة أخرى… وأرجو من العقل المسلم الفايسبوكي الذي يقتات على الفتات الإلكتروني أن يعود إلى قراءة التاريخ ويفهم طبيعة الصراع السياسي الحاصل بين “الصين” و”تركيا” ومن خلفهم من الأعراب، ليستوعب أن السجال في منطقة “الإيغور” ليس دينيا فحسب بل يحمل في طياته أبعادا “تاريخية” “حضارية”، “عصبيّة-قومية”، “نفطية”، يوظَّف فيه الدِينُ للتعبئة النفسية والتجنيد الإلكتروني…
لو كان العالم اليوم جملة للإعراب، فليس للمسلمين فيه مقام مع الفاصلة، ولا محل للإعراب، ولا يمثلون في الجملة اليوم، سوى تلك الفجوات والفراغات التي تفصل بين كلمة وأخرى، وحرف وآخر، لست أقول هذا الكلام من قبيل “القنوط” بل لأقول بلسان مبين، أنه سيكون لنا محل من الإعراب، وموقع من السجال في الحرب التجارية أو البيولوجية أو في تحقيق السلام فيهما؛ فقط حين ينتج مصنع مسلم واحد أول قرص مماثل لقرص “البراسيتامول”، ويتأسس مخبر بحثي طبي واحد بأيدينا، وأموالنا الوقفية، وعقولنا الغضة الطرية…
ولكيلا يكون التحدي مرتفعا، والشرط قاسيا أقول: إننا سنغدو رقما صعبا في المواجهة الحضارية حين نتوقف عن استيراد الخلالة (Le Cure-Dents) من “الصين” لتبييض أسناننا من بقايا الطعام الذي نستهلكه…
اللهم إني أعوذ بك من “كورونا الفيروس”، و”كورونا التخلف”، و “إنفلونزا العجز والاستهلاك والكسل”…
د.طه كوزي
.gif)