تدوينات

مساهمة في النقاش الذي يدور حول سبب هشاشة أحوال الموظفين في القطاع العام في موريتانيا.

الرئيس والنقابي: سيداتي محمد ديكو

مساهمة في النقاش الذي يدور حول سبب هشاشة أحوال الموظفين في القطاع العام في موريتانيا.
لقد صدق الذين يقولون إن رواتب موظفي القطاع العام متدنية و رديئة وهزيلة..، وغالبًا ما تجعلهم يغرقون في المياه العكرة؛ مما يجعلهم يلجأون للغش والفساد..
ولكن متى حلت علينا هذه اللعنة والتي جعلتنا نخجل من مقارنة أنفسنا بنظرائنا!؟
سنحاول فيما يلي الإجابة على هذا السؤال مدركين تمام الإدراك أنه لا يمكننا حصر كل الأسباب التي تقف وراء الحالة الاقتصادية المزرية لموظفي قطاع الوظيفة العمومية.

إن هذه المشكلة المتفاقمة ترجع لعدة عوامل، لعل أبرزها: الوضع السياسي الذي ساد لعدة عقود؛ والذي تميز بالاضطراب خلافا لما هو موجود ع في دول الجوار مثل: المغرب و السنغال..

وخير مثال على ذلك الاضطراب عند السلطة التنفيذية: أن النصوص التطبيقية لنظُمِ أسلاك و مقررات الوظيفة العمومية قد تم تنقيحها بشكل طفيف خاصة في فترة مأمورية الجنرال الأرعن عزيز، الذي أوكل قطاع الوظيفة العموميه للوزير ولد محمد خونا
لم تتح أبدا الفرصة للنظر في السؤال الجوهري: ما الوظيفة العموميه التي نريدها لبلدنا؟
عمليا، كل النصوص والأوامر التنفيذية لنظام الوظيفية العمومية كانت غير موجودة؛ وهذا ما يعكس بجلاء التأخر الكبير الذي نشهده في مجال قطاع الوظيفة العمومية الحساس..
أسئلة من قبيل: ما المسار المهني في الوظيفية؟ وكيف يتم وضع إدارة فعالة لموظفي الدولة؟ وكيف نضمن تحفيزا معتبرا للموظف؟ و كيف نعمل من أجل مردودية أكبر لموظفي الدولة؟)
لم يتم التطرق لهذه الأسئلة منذ أربعين عامًا؛ خاصة عندما تم وأْد النظام المدني واختطاف العسكر السلطة على حين غفلة من أهل موريتانيا.
لقد ظلت الأجور متدنية منذ ذلك التاريخ وحتى يومنا هذا!.
إن هذه الحالة المزرية للأجور ناجمة عن إرادة قوية وقاهرة لا تريد للموظف إلا أن يظل عبدا مملوكا لا يقدر على شيء؛ ولذلك يمكن القول: -دون شطط- إن التطورات السياسية بعد الاستقلال لم تكن مؤاتية بالنسبة للموظف من أجل أن يحقق ما حققه نظراؤه في البلدان المجاورة.
وعند إمعان النظر، نلاحظ أن الموظفين لهم نصيب كبير من المسؤولية في عدم استقرار وضعهم الاقتصادي لا سيما أولئك الذين كانت لديهم الإمكانية القانونية لممارسة الضغط من أطباء و أساتذة و معلمين لحمل السلطة الحاكمة على التحسين من ظروفهم الاقتصادية.
فبدلاً من الوقوف سويًا والنضال من أجل تغيير حالهم البائس، اغتر معظمهم وانخدع بحماقات من قبيل أنهم سعداء بانتمائهم لفتة A في الوظيفة العمومية.
إن تصنيف الأطباء والأساتذة في الفئة (أ) يمكن أن يفرح من الناحية النظرية بالفعل، لكنه يخفي حقيقة أنه بدلاً من تحسين ظروف الموظفين عملت الأنظمة المتعاقبة على جعل الذين يوالونها من كبار المسؤولين يستفيدون، في حين أنها لم تحسن أجور عمال الوظيفة العمومية؛ وذلك بإجْزالِها المكافآت لمن يوالونها؛ وهي طريقة ذكية لحماية الكبار من تقلبات الأسعار وانخفاض العملة الوطنية.
وقد عملت السلطات على إرهاب الموظفين من النقابات ( زرعت الخوف، بينهم وجعلت عدم الثقة متبادلة بينهم).
وهكذا صار الموظف العمومي ينبذ العمل النقابي ويتجنب أي احتجاج مهني رغم أنه يكفله له الدستور.

وكردة فعل على هذا الوضع الصعب، أراد بعض الموظفين العموميين النادرين تحريك الساحة، لكن تم ترهيبهم،
و القضاء عليهم والاستحواذ عليهم..
أما الآخرون وهم كثيرون فتَقربوا من جلادهم؛ للاستفادة من عطاياه أو من تعييناته التي لا يجدها إلا المقربون.
ولهذا؛ فضل أغلب الموظفين الصمت، وترك سوح النضال، وشرع في التخطبط لمشروع موازي لعمله؛ حتى إذا تقاعد انصرف لتنمية ذلك المشروع؛ وهي اللعبة التي أصبحت مفضلة للعديد من موظفي القطاع العام.
اليوم أصبح التقاعد إلزاميا في سن الستين، وهو ما يضع العديد من موظفي القطاع العام في حالة يرثى لها؛ مما يطرح أسئلة كثيرة من قبيل: ماذا فعلت للعودة لنقطة البداية فقيرا مثل ما كنت عليه عند دخولك الوظيفة العمومية؟
لا ريب، في أننا مسؤولون عن حالنا ولدينا نصيب كبير في استمرار الوضع المأساوي وغير العادل واللاإنساني الذي نعيشه وسنعيشه!.
أن نتحرك متأخرين أفضل من أن لا نفعل شيئا، وفي النهاية فإنه بإمكاننا تغيير حالنا من سيئ إلى أحسن.
ليس بالضرورة أن نستفيد من ذلك التحسين، لكن أطفالنا سيكونون موظفين عموميين أقل بؤسًا منا؛ وذلك بفضل نضالنا وعملنا النقابي وحرصنا على تغيير هذا الحال البائس!..
أرجو أن يبلغ الحاضر الغائب.
اللهم فاشهد أني بلغت.
الرئيس والنقابي الكبير :
سيداتي محمد ديكو

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

إغلاق