تدويناترياضة وترفيهمقالاتمنوعات

البكاء على الأبواب الموصدة.

 

قبل سنوات قليلة كنت في رحلة إلى قرقيزيا( إحدى جمهوريات الاتحاد السوفيتي سابقا)على حدود الصين- ودُعيت إلى زيارة شيخ كبير تجاوز السبعين ، وكان داعية من الجيل الأول ، وكان يتكلم العربية الفصحى بلكنة أعجمية ،*إلا أنه متضلع بعلوم الشريعة* و*ذو باع طويل في الدعوة والإصلاح ،،*

انساب الحديث عذباً شيقاً مع هذا الشيخ الكريم
عن جهودهم الدعوية ، وجهادهم الإصلاحي الطويل ، وتحت ضغط الفضول العارم سألته : ياشيخ !
كيف درَست كل هذه العلوم ، وكوّنت كل هذه الحصيلة العلمية وقد كنتم إلى عهد قريب في قرقيزستان تحت الحكم الشيوعي الغاشم الذي كان يقتل من ينطق العربية ،
أو يتسمى باسم إسلامي،
فضلا عمّن يمارس شعائر الإسلام الظاهرة !

وأنت ياشيخ وُلدتَ ونشأت تحت هذا الحكم ؟!!

عشتَ صدر حياتك تحت هذا الحكم الشرس الذي انتهز فرصة سقوط الخلافة
*فطمس كل مظاهر الإسلام*
*وأعدم من المسلمين مايزيد على عشرين مليون مسلم*
*وفرض الإلحاد*
فلم يترك للمسلمين أية نَفَس ولا فرصة لممارسة شعائر دينهم ؛
فضلا عن العمل في ميدان الدعوة والإصلاح ؟!

تبسّم الشيخ الكبير ، ورفع صدره إلى الأعلى، وكأنه يستشق رائحة
*الظفر بعد الصبر ،*
*والانتصار بعد الانكسار ،*
*والفرج بعد الشدة والكرب* وقال …
نعم كنّا تحت حكمهم لكن *لم نستسلم لهم !!*

*كنّا أقوى منهم بإيماننا ، وإصرارنا ، وقدرتنا على التكيّف*

كان آباؤنا يحفرون أنفاقاً تحت الأرض على عمق بعيد
وهذه الأنفاق تفضي إلى أقبية وفصول ومدارس تستوعب عشرات وربما مئات الأطفال ،
كلها تحت الأرض ..!!

وكان الوالدان المسلمان إذا بلغ طفلهما الخامسة من عمره ، تسللوا به في جنح الظلام وساروا بحذر خلف مرشد المدرسة حتى يبلغ الطفل فوهة النفق –
وعادةً ماتكون هذه الفوهة في حجرة من بيت مهدوم ،
أو خربة مهجورة – ..!

وهنا تستلمه المدرسة، وتدخله النفق لينضم مع رفاقه تحت طباق الأرض ، ليغيب لمدة
*سنتين أو ثلاث*

لا يظهر ،
ولا يتصل
ولا حتى بوالديه ،
لكنه يخرج وقد حفظ القران أو أكثره ،
ومن الحديث ماقُدِّر له ،
ومن علوم العقيدة والفقه والعربية ،
ولربما عاد ليكمل !

وسألت الشيخ عما درَسوه في العربية مثلاً ؟ فقال :
*حفظت ألفية ابن مالك !!*

ثم تحامل على نفسه ونهض متثاقلاً إلى كوّة في الجدار ومدّ يده النحيلة إلى كتاب متهالك فيها ، فجاء به وفتحه أمامي ، فإذا هو نسخته الخاصة
*من شرح ابن عقيل ..*
وكنت مأخوذاً بالدهشة والعَجب البالغ من شيء أراه بعينيّ ، وأسمعه بأذني ّ!

لو حكاه لي الثقاة لشككت فيه !

كانت الشيوعية جاثمة بكل جبروتها ، وعسفها ، وقسوتها على الناس حتى ظنتُ أنها قد قدرت عليهم وقطعت صلتهم بالإسلام ؛
لكنّ جيلاً كان يترعرع تحت الأرض ،
ويتشرب الإسلام من مصادره ( الكتاب والسنة) ،
ويتضلع من أعمق وأجمع مراجع الشريعة واللغة ،
*كان تحت الأرض دعاة ومصلحون نذروا حياتهم لله ،*

*غابوا في جوف الأرض لاشمس ولاهواء ، ولا لهو ، ولا لعب ..*
*وإنما عمل شاق مضنٍ خطير ، ثمنه حياة أحدهم ومن معه لو افتضح أمره !*

*كانوا يبنون جيلاً جديداً في أقسى ظرف يمكن أن يمر به مجتمع ،*
*فما يئسوا ،*
*وماضعفوا ،*
*ولا استكانوا* ،
*ولا ألقوا السلاح ،*
*وما خضعوا لواقعهم المتوحش ،*
*ولا استرهبهتم سطوته..!!*

فلما سقطت الشيوعية ،
وطواها الله بقدرته
خرجت طلائع ذلك الرعيل إلى الشمس لتعيد البلاد إلى هويتها ،
والعباد إلى دينهم ،
فماهي إلا بضع سنوات حتى كانت حواضر تلك الولايات الشيوعية تضج بالأذان والصلاة من مساجدها التي لا تحصى ،
وبأئمتها ودعاتها الذين نبتوا في تلك السنوات العجاف فِي أعماق الأرض..!!!

*إن هذا الدين مكين ، راسخ*
*أنزله الله ليبقى ،*
*ولينتصر ،*
*ولن تطمسه أي قوة مهما بلغت قدرتها وشراستها ؛*

لكن
*قد يبتلى الدعاة بأيام شداد*
*ليمتحن الله صدقهم وصبرهم*
*وليميز الله اليائسين الضعاف المهازيل من الأقوياء ، ذوي الصدق والإيمان واليقين ..!*

*فإذا ألقى الدعاة السلاح*
*وأسلموا الثغور تحججاً بالظروف القاسية ،*
*وتذرعاً بالتغيرات الجارفة ،*
*وجلسوا يبكون على أبواب الدعوة التي أُقفلت*
*وتركوا خلفهم ألف باب مفتوح،*
*وألف حيلة ممكنة ،*
*وألف وسيلة متاحة ؛*
فاعلم
*أنهم قد وقعوا في حبائل اليأس التي نصَبها لهم الشيطان ،*
*وأنهم ما امتثلوا أمر ربهم بالتصدي للدعوة ،*
*وعمل الممكن من برامجها ومشروعاتها المتاحة*
*وإنما استكانوا للعذر المصنوع*
*والحجة المزيفة*
*وخسروا شرف الصمود، وأجر الصبر*
*ويوشك الله أن يستبدلهم بغيرهم ثم لايكونوا أمثالهم*
ولكن صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لايزال الخير في أمتي إلى قيام الساعة )

 

من مجموعات الواتساب

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

إغلاق