مقالاتمنوعات

الرئيس الموريتاني الراحل المختار ولد داداه يتحدث عن الرشاوي التي قدمت له.

يروي الرئيس الراحل المختار ولد داداه رحمه الله في مذكراته:

….. أما بالنسبة للرشوة فلم أتعرض لمحاولة الإيقاع فى شركها سوى مرتين عكسًا لما يمكن أن يتوقع. وترجع إحدى هذه المحاولات أساسًا إلى تقاليدنا فى هذا الشأن وليس إلى نظام الرشوة المعاصر. ولكن السؤال المطروح هو كيف نجوت من هؤلاء الراشين؟ إن السبب على ما يبدو أن هؤلاء كانوا يقومون فى البداية بتحريات دقيقة عن مدى قابليتى للتأثر بسخائهم المحتمل… بدل أن يظهروا لى إكرامهم مباشرة. فعندما يدركون أنى لست مهما بالنسبة لهم، فإنهم يلجأون إلى بعض أعضاء حكومتى الذين يقبلون التعامل معهم، وقليل ما هم لحسن الحظ.

فخلال ثمانية عشر حولا لا أتذكر سوى ثلاث حالات رشوة محققة. وقد ترتبت عنها عقوبات سياسية وقضائية للوزراء المعنيين. فإذا كانت هناك حالات أخرى، فإنها أفلتت من يقظة مراقبى الدولة ومفتشى المالية.
ه…..ه

وكان بإمكانى لو رغبت أن أصبح مليارديرًا !! دون اللجوء إلى اقتطاع مرتب باهظ أو اختلاس الأموال العمومية أو الرشوة. فكيف ذلك؟ يكفى لتحقيق هذا الهدف أن احتفظ لنفسى، بكل بساطة، بالهبات التى قدمت لى شخصيا من قبل بعض نظرائي رؤساء الدول، وهو ما لم أفعله قط. فلماذا تصرفت على هذا النحو؟

إن السبب فى هذا يعود من جهة إلى كون غشاوة الثراء المادي لا تعلو ناظري، وهو ما فسره بعض الزملاء بعدم الوعي! فهل كانوا على حق؟ لا يعلم ذلك إلا الله وحده.

أما الناحية الأخرى فتعود إلى أننى أعتبر تلك الهبات مرتبطة بوظيفتى لا بشخصى، وبالتالى ليست ملكا لى رغم التحديد الواضح من المانحين. إنه منطق ملتو ومغالاة فى التدقيق كما يقول البعض. ومع أن الأمر قد يكون كذلك، فإننى لم أقبل إطلاقا أن استخلص لنفسى تلك الهبات الهامة نظرا للسببين السابقين. وسأستعرض هنا أولئك المانحين حسب التسلسل الزمني لتقديم هباتهم السخية.

لقد أعلن لي الملك فيصل، ونحن فى السيارة التى أقلته إلى مطار نواكشوط للمغادرة، فى أعقاب زيارته الرسمية لبلادنا فى نوفمبر 1972 ما يلى: “سأبعث إليكم فى القريب عونا شخصيا مثل ما فعلت مع بعض الإخوة رؤساء الدول فى البلدان غير الغنية”.

ولم تمض سوى بضعة أيام حتى قدم لى سفيره فى بلادنا صكا بمبلغ مليون دولار حرر باسمى. وسلمت ذلك الصك إلى المسؤول الوطني عن الخطة العاجلة لمكافحة الجفاف بعد أن تحدثت عنه فى مجلس الوزراء. كما طلبت أن يسجل ذلك الصك رسميا تحت عنوان “هبة شخصية من الملك فيصل لصالح الخطة العاجلة”.

وفى شهر مارس من سنة 1973، أعلن لى الرئيس موبوتو خلال زيارته الرسمية لبلادنا عن عون شخصي بمبلغ 500.000.000 فرنك غرب إفريقي حولها بعد ذلك بوقت يسير. وحَوَّلتُ هذه الهبة الهامة إلى الميزانية وخصص جزء منها لبناء المدرسة العليا لتكوين الأساتذة التى حضر الرئيس موبوتو تدشينها بدعوة منى.

وقدم لي الرئيس بونغو بدوره فى مناسبات عدة صكوكا ومبالغ نقدية بقيمة 400.000.000 فرنك غرب إفريقي حولت إلى ميزانية الدولة، واستغل جزء منها فى تمويل بناء معهد التهذيب والدراسات السياسية(مدرسة الحزب) الذى اكتمل تشييده مع بداية 1978. وكان من المفروض أن يحضر الرئيس بونغو حفل تدشينه لولا الانقلاب. وتضاف إلى هذا طائرة كارافيل التى أهدانى إياها.

وفى شهر ديسمبر 1977، قمت بزيارة خاطفة للعميد هوفوتبونيى فى يامسوكرو للسلام عليه وبحث المشكلات الراهنة، وهي عادة أتبعها معه من وقت لآخر تتيح فرصة لتبادل الآراء البناءة والثرية. ولدى مغادرتي قال لى: “إنكم فى وضع حرج بسبب حرب الصحراء، وسأرسل إليكم فى القريب بمساعدة مالية ضئيلة”. وبعد فترة وجيزة وصل رئيس الجمعية الوطنية الإفوارية فيليب ياسى Philippe Yacé على متن طائرة خاصة وهو يحمل حقيبتين كبيرتين ملأتا نقودا من فرنكات غرب إفريقية وفرنكات فرنسية بلغت قيمتها ملياري فرنك غرب إفريقي أي ما يعادل عشرة ملايين دولار! وقد سلمت الحقيبتين إلى وزير المالية دون أن أفتحهما، وأعطيت الأمر بوضع محتوياتهما فى الميزانية.

وفى بداية 1978 أرسل إلي الرئيس أهيدجو مبعوثا خاصا يحمل مبلغ 25.000.000 فرنك غرب إفريقي نقدا. وقد قام مدير ديواني بإدراج ذلك المبلغ فى الاعتمادات الخاصة بأمر منى.

فليجد كل إخوتى وأصدقائي الكرماء الذين ذكرتهم فى هذا الصدد خالص الشكر على هذا التضامن النموذجي والسخي. وقد شرحت لهؤلاء وأولئك أننى أفضل اعتبار هذا العون الضخم مساعدة من شعوبهم للشعب الموريتاني بدل أن استخلصه لنفسي.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

إغلاق