تدوينات

ولد ابن المقداد.

الترجمان “دود سك” المعروف محليا بمحمدن ول ابن المقداد ووالده هو الترجمان المختار المسمى “ابن المقداد بن الشيخ عبد الله وقد ولد بمدينة سين- لوي فى 24/سبتمبر/1867 وحين بلغ التاسعة أرسل إلى إگيدي من أرض الگبلة بالجنوب الغربي الموريتاني تلقی العربية ومبادئ الدين ومكث هنالك أربع عشرة سنة تمكن خلالها من حفظ القرآن الكريم وتعلم العربية وأتقن اللهجة الحسانية وعرف أسرارها فأجاد قرض الشعر الحساني والفصيح ، وقد تعلق بأرض إگيدي كثيرا فقال في أحد الأيام باكيا على أطلالها :

سلم على إيگيدي إن جئته= = وحيه مني على بعده

وقل له إنني مقيم على= = مايعلم الرحمن من وده

كان ول ابن المقداد يتمتع بشخصية فريدة من نوعها أبهرت أهل عصره وكان صاحب عهد ووفاء كما اشتهر بالكرم والسخاء والفضل فشهدت له بذلك ألسن الشعراء التي لاكت شأنه وألهمها كرمه حتى أن العظيم سيدي ولد هدار كان يوما يمشى فلقي الرجل المعروف ولد ابن المقداد فقال :

لِ نوبَ وانَ فى التلوادْ “” الْ الارزاقْ أذاكْ الَّ شاقْ
وافذَ جَ ولْ ابنُ المقدادْ “” يلّال مفَكرْ الارزاقْ

كانت مدينة” سين لوي” السينغالية أو “اندر لبيظْ ” باسمها المحلي مدينة جميلة معتدلة الهواء تقع حيث “مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان ” مطلة على المحيط الأطلسي الأزرق ونهر السينغال “لزرگ” كانت معتدلة الهواء ،جميلة الدور والشوارع منظمة الحدائق اتخذها الفرنسيون عاصمة لهم ،وعاش بها البيظان عصرا ذهبيا لايزال حاضرا في الذاكرة،وكانت دار ول ابن المقداد تقع في منطقة “سندونَ” فى “اندر” وتتكون من طابقين يصل بينهما سلم خشبي وكانت قلعة من قلاع الأدب والكرم والهول ومجالس “الفتيان” يقول عنها سيديا ول هدار وكان هو “مجّاد” ول ابن المقداد:

هاذِ الدار الِّ لا اخْلاتْ=عادت فيهَ لفلوحَ

مخلاهَ الِّ ما اتباتْ=ليله ماهِ مفتوحَ

ولسيديا فيه أيضا:
ول ابنُ معلوم عهدُ … والدين ابذل فيه جهدُ
راع كل اكتاب عندُ … فوڭ اوخر مطروح
بين ال منصوص وحدُ … وبين ال مشروح
وامن الثڭلَ ما اتلوطَ … وامصرمك عن كل طوطَ
ويڭدل من لخلاڭ حوطَ … والبيڭ اعل الروح
واعل زاد الجرح يوطَ … ما حس المجروح
وامن الخلق الا امكيل … كلُّ لُ مفروح
بين اللاهْ ايج امگيل … والّ لاهْ ايروح

وكانت ب”اندر” ساعة كبيرة بالساحة العمومية وكانت تدق عند تمام الساعة الثانية عشرة زوالا فيسمعها سكان “اندر” فيعلمون أن ساعة الظهيرة حلت مما يؤذن أيضا أن ساعة الغداء فى دار ابن المقداد حلت فيهرع الناس إليها فترترجف السلالم الخشبية من الزحام فيعم عليهم اللبن واللحم وتترع كؤوس شاي “المفتيل” المحلى بسكر “الصاك” وترتجف يدا “القيام” على أنغام التيدنيت وتهتز رؤوس الحاضرين طربا لما يذاع في مجلس ول ابن المقداد من بوح القريض وأمهات “لبتوتَ”

و يقول العظيم امحمد ول احمد يوره واصفا ذلك المشهد “متمزركا”:

كنا إذا ضُربت وقت الزوال “ميِدي”=لم يلتفت أحد منا على أحد

ترى السلالم فيها القوم طالعة=ما بين مرتعش منها ومرتعد.

ويقول العلامة الكبير محمد فال ولد عينين :

إِلى الفَتَى (دُودُ) يَا نِعمَ الفَتَى دُودُ*
أسنَى سَلامٍ كَمَا قَد يَعبَق العُود

تَحِيَّةٌ كَأَرِيجِ المسكِ موجِـبُه *
أنَّ الثَّناءَ على المَحمُود مَحمُود

كأنَّمَا جَنَّة الفِردَوس مَنزِلُنا*
لَدَيهِ كُلٌ منَ الخَيرَاتِ مَوجُود

إِن شِئتَ مَائدةً مدَّت إليكَ وإِن*
تَشَأ كِتَاباً فَكُلُ الكُتبِ مَمدُود

تَحجُو مَوَارِدَه والنَّاسُ وَاردةٌ*
كمَا حَوَى حَرَمُ الوُرَّاد مَورُود

وخَيرُه خَيرُ مَمدُودٍ لَه طَرفٌ*
إذ بَعضُ خير ذوي الخَيرَاتِ مَحدُود

وأما عن صالونه الأدبي فقد تحدث أحدهم عن أول مجيئ لمحمد ول ابنو ول احميدا إلى دار ول ابن المقداد، كان فتى حدثا مغمورا لا يكاد يعرفه أحد قدم مع صديق له ، و كان ولد ابن المقداد يستلقي على أرجوحة توضع له في صالونه وعن يمينه الشاعرالأديب شمّادْ ولد أحمد يوره ، والأديب الوالد ولد القطب ، والولي ولد الشيخ يبّ ، وبعض كبار الأدباء وكان امحمد ول أنگذَيْ ” لعور”(انگرِ) تيدينيتو وكان أعور أصلعا قوي الصوت شجيه يقول له أحد الشعراء :

من كان أصلع فليضرب ليطربنا***أو كان أعور فليشدو بما شاءَا
ياليتَ كلّ مغنٍ كان ذا صلع*** أوكانت العين عينا منه عوراءا

ويقول فيه البيضاوي الجكني المعروف ب (باشا تَارُودانِتْ)

لَعَمرِي لقد خُضتُ القُرَى مِن كُناكِر ***وَجَاوزتُ أرضَ الصَّينِ بعد الجزائِرِ
وبالمغرِبِ الأقصَى دِيارِى ومنشئِي *** وسامرت أربَابَ الغِنَا والمزامِرِ
فماسمِعَت أذنِي ولم يَرَ ناظِــرِي ***كذَا الأعورالمشهُورِ عن كل شاعِرِ

وفي ذلك المجلس أخبر لعور الحضور أن لديه شورا جديدا يسمى “دزَّيتْ إمبرْ” لم يعزف من قبل وبدأ يشدو به فشحذ أداءه وصوته العذب ملكة الشعر عند المغنيين الكبارفافتتح كبيرهم محمدن ولد ابن المقداد السجال بهذا الكاف :

إمْبِرْ إلِّ كالْ الْمَجّادْ *** بُوصَلْعَهْ بُوخَزْرهْ مِن زِرْ
ذَاكُو كِيفْ إمْبرْ إلَعَادْ *** إلِّ لاهِ ينْكَالْ إمبرْ

بعد ها قال شماد ولد أحمد يورة :

النّاسْ إلَ گالِتْ بَاجْنَاسْ*** عَنّكْ تگدرْ تُحامِـرْ فُـرْ
ذاكْ ألاَّ گولْ النّاسْ النّاسْ*** إتْمَشِّ لگـوَارِبْ فِالْبِـرْ

وقال الوالد ولد القطب :

إمْخَمَّمْنِ فأمرْ الْغَيْدَاتْ *** عَوْدانِ نافدْ كَدْ إشْبرْ
وألاَّ نِكْبِرْ والطَّافِلاتْ*** كِذَّ كِـذَّ وحْـدَ تكْبـِرْ

فخاطب ولد احميدن لعور من طرف المجلس وكأنه يستاثر به دون غيره كول :

شاعِرْ فالْهَولْ إمْعاكْ إتْلَ *** إيْعودْ إفزرْ أوْ عِتْ إفْـــــزِرْ
ذاكْ الزِّرْ إمْنْ الهولْ إخْلَ *** ؤذاكْ الزّرْ إمنْ الهَوْلْ إعْمِرْ

فجلس ول ابن المقداد على أرجوحته كمن داهمه خطب قائلا ذاك گافْ فيؤمن له ولد شماد نعم ذاكْ گافْ قطعا!

وجاء دور الولي ولد الشيخ يب الذي جعله حظه كمندوب يتصدى لهذا الدخيل والثائر الشرس إلى عالم الإبداع فقال كمن يمتحن قدرات متسابق :

حَدْ إمگاطِعْنِ گاطِعْنِ *** لمْگاطِعْنِ گطّاعْ إجْدِرْ
مايِگدِرْ حَدْ إيْگاطِعْنِ *** أبْدَ مَا يِگدِرْ مَا يِگدِرْ

فقال ولد ابنو كمن يريد أن يحسم المباراة من أول جولة ملمحا لحادثة اجتماعية تخص الولي ولد الشيخ يب :

باعِدتْ الشَّلاتْ أُوذَ فاتْ *** مِنْ عَندْ إجْدرْ لِجْدر لِجْدرْ
وإيگدْ إتْبَاعِيدْ الشَّلاتْ *** يَصْلحْ وإيگدْ أفْطَنْ يِخْسرْ

فسكت الولي رافعا الراية البيضاء في وجه هذا المغمور المسموم اللسان :
فأردف ولد ابنو كمن يعلن انتصاره على سدنة لغن أو كمن يذيع البيان الأول متربعا على عرش سلطانه:

نَعْرَفْ لِغْنَ كِنْتْ إبْلَمْلاسْ*** مانكبرْ عنُّو مانِسْغِرْ
أوُگلَّلْتْ انْدُورْ إنغِرْ النّاسْ*** گلَّتْ لِغْنَ للناسْ اتْغِرْ

ومن شعر ول ابنُ المقداد في سيداتِ بن الشيخ سعد بوه القلقمي:
قولُ المُبشر: “جاء الشيخ سيداتِ” … قولٌ تضمَّن أنواع المسرات
أقول:-والقولُ منسوبٌ لقائله- … أهلا وسهلا به من قادم
آت

وله من الزريڭه بين العربية والوولفية:
يا من يُرى حسدي في القلب منه رسخ == “ؤخل بَتَييِّي توُوَلْ وخْكَتْ مُضَللِّ لَوَخْ”
ما أنت كفئي ولا أنت النظير فقف == “دومَنّ مَنْ لُورَنْكَ منَّ مَن لُوكَتَخْ”
بيني وبينك بون لو علمت به == “نَيَوْ كُجَلْ نَرُوكَرْ دَفْكَ ابَّزُو بُنَسَخْ”
يعييك إدراك شأوي إن هممت به == “وتُّل تَضَوْ مَكْ دُخَمْ بَبَّم تِكَوْ دُكَنَّخْ”
يخبرك من شئت مهما جئت تسأله == “أن مَا لّوخ لولو خمك” والكلام “فرَخ”
الشرح:
البيت الأول: تكلم حتى تتعب واستدع بليغا في الكلام حتى يزيدك فيه.
البيت الثاني: لا يمكنك محاكاتي ولماذا تحاول ذلك؟
البيت الثالث: أنت كمثل من أخذ خيلا من الحرائر واستبدلها بآكجول.
البيت الرابع: ابتعد واهرب فالشخص المُسن لا يمكنه مخادعة نفسه في السر.
البيت الخامس: أنا الذي قلت لك ذلك، وقوله: والكلام فرخ هو لغة عند الوولف إنهاؤهم الكلام بالخاء وفرخ
يقصدون بها “افرغ” بالحسانية أي انتهى.

ويزعم البعض بأن ول بن “المقداد” في إحدى رحلاته مع الفرنسيين في الأراضي الموريتانية أسرته فرقة عسكرية من اهل آدرار هو وضابطا فرنسيا كان معه ولما رجعوا بهما إلى اهلهم استقبلهم الأهالي بالزغاريد والأغاني وبنوا لهم خيمة لتكون مكانا للاحتفال وعلقوا دود سك والفرنسي من أرجلهم في شجرة شامام الخيمة وجاءت فنانة لتنعش الحفل وفي أثناء ترديدها لنحية قال لها ول ابن المقداد انت گولي:

وكتن ماريت التحجلِ ==== واهل في الگبلَ بعدونِ
وجهتلكم ييديشل ==== مولان باطل كمونِ

فقالت الفنانة من هذا (كوري أم بيظان)؟ فقالوا لها تابعي ولا تهتمي لشأنه ثم إنها تابعت بعد أن أصلحت أوتار آردينها وعزفت حتى شعر ول ابن المقداد بالطرب قال لها گولي:
عندك تاشبط في الترداد ===== ترغ واتصولح تنحٌ
والمهر اعل التاشبط زاد ===== اعياط شِبكَ ينبحٌ

فرمت الفنانة آردين وحلفت لا تمسه حتى يطلق سراحه فقاموا ليطلقوا سراحه فقال لهم والفرنسي قالوا له أما الفرنسي فلا نطلق سراحه فقال لهم :

لايسلم ابن حرة زميله ======= حتى يموت أو يرى سبيله

إشارة منه الى قصة ابي البختري ابن هشام يوم بدر فأطلقوا سراحهما ،وقد كان صاحب عهد و وفاء فتعلق بأهل آدرار كثيرا بعد تلك الحادثة حتى أن البعض قال بأن سبب وفاته “طلعة ” أرسلها للأمير سيد أحمد ول أحمد العيده يحذره فيها من غدر المستعمر فوصلت الطلعة إلى “لَحاگتْ المستعمر ” فدعاه الفرنسيون لوليمة مسمومة أسقطته قتيلا .

وكان ول ابن المقداد من شدة كرمه يحضر بنفسه توزيع الطعام في الجفان وكان يأخذ لقمة كل جفنة ليتأكد من جودة الطعام وأصبح المثل الشعبي يقول “لقمة ول ابن المقداد” ويقول فيه محمد ول ابن ول احميدن ؛

ألا نعرفْ عنِ ذاليمْ = مانِ لاه فيه انْعمَمْ
مغلظْ مصنْددْ ممسْلمْ = منفقْ للضعْفَ محْذكْ زادْ
منحْ ومفقهْ مسكمْ = موحدْ مشْيعْ فالبلادْ
مسطْفلْ مفگرشْ مكرمْ = معدَّلْ ولْ ابنْ المقْدادْ

وكانت مجالسه لا تخلو من طرافة الأدباء وظرافة الشعراء حيث أن امحمد الهدار كان يوما في مجلس ول ابن المقداد والناس منشغلة في أطباق الغداء فوقف وقال :

مصاب ال واكل فالحين “” فجيره ذيك التليّ
من هاذ الناس المعلومين “” اعطاني ذ الحين اوگيّ

گالول اشلاه اتعدل بيه ؟ فقال لهم.:

نشر وت ولل ثنتين “” نشر صيدح علاليّ
نشريلي گارب بن امتين “” انكريه اللادميّ
نشر طيار اطير الين “” انواذيبو والمجريّه
نشر لبطان الثنتين “” التليّ والكبليّه
نشر روص احطب معلومين “” نشر من لحموم اكْديّه
نشر منت احماد ما زين “” عند كون اتج مشريه
انخلص عن لمدايين “” وتبگالي طرنيشه حيّ

وتدور المساجلات ويتعاقب الأمراء والأعيان والشعراء والمطربون على “الدار إلّ لااخلاتْ” :

ويجيئ إبّفال ول محمادو ويقول إِبَّفالْ إطلع زينات يمدح بها محمدن ول ابن المقداد،أعجبتْ سيديا ول هدار فقال:

گالْ ابَّفالْ إمنْ التمْجاد=ْشِ زيْنْ إلْولْ ابنْ المقداد

وَ أَلاَّ هُوَّ نظمْ المرادْ=يَلاَّلِ مزْيَنْ ذَ إلِّ گالْ

إبَّفالْ أُيَلاَّلِ زادْ=مّصْدَقْ ذَ إلِّ گالْ إبَّفالْ

ويجد ابفال في دار ول ابن المقداد صورة للأميرأحمد سالم ول ابراهيم السالم فيكتب على ظهرها:

وصف أحمد سالم گال حدْ=عنُّ شافُ ب اخلافُ

وصف أحمد سالم ما ايگدْ=حـد إكَـولْ انُّ شـافُ

ويقول وابن المقداد وهو شيخ :

يگطعْ بيكْ إنتَ يالشيطانْ=مَذالكْ عايدْ لِ وحْلَ

شدُّورْ إفْشيْبانِ سُودانْ=ما يتْمَلَّكْ زَغْبَ كَحْلَ

ويقول لصديقه إلبو ممازحا:

إلبو من ثقلِ ما إيْملْ=ثقْلِ لا لحَّگتُولُ

يفعَلْ فأخْبارُ كلْ فعلْ=لاهي إيعودْ إبْمَفعُولُ

كان إبن المقداد رحمه الله قامة أدبية فريدة من نوعها وكان بيته قلعة من قلاع الكرم والأدب فلم يبق شاعر في عصره إلا و ترك له أبيات من الشعر أو گيفان من “لغن” يتردد صداها في كل مكان حاملة اسمه الذي صار مثلا للكرم والسخاء .

 

 يعقوب أربيه 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

إغلاق