صلِ الكرامَ وإنْ رموكَ بجفوةٍ:

و صِلِ الكرامَ وإنْ رموكَ بجفوةٍ
فالصفحُ عنهمْ بالتَّجاوزِ أصـوَبُ

واخترْ قرينَكَ واصطنعهُ تفاخراً
إنَّ القريـنَ إلى المُقارنِ يُنسبُ

واخفضْ جناحَكَ للأقاربِ كُلِّهـمْ
بتذلُّـلٍ واسمـحْ لهـمْ إن أذنبوا

ودعِ الكَذوبَ فلا يكُنْ لكَ صاحباً
إنَّ الكذوبَ لبئس حُـراً يَصحبُ

وزنِ الكلامَ إذا نطقـتَ ولا تكـنْ
ثرثـارةً فـي كـلِّ نـادٍ تخطُـبُ

واحفظْ لسانَكَ واحترزْ من لفظِهِ
فالمرءُ يَسلَـمُ باللسانِ ويُعطَبُ

وال.سِّرُّ فاكتمهُ ولا تنطُـقْ بـهِ
إنَّ الزجاجةَ كسرُها لا يُرأبُ

وكذاكَ سرُّ المرءِ إنْ لـمْ يطوه
نشرتْـهُ ألسنـةٌ تزيـدُ وتكـذِبُ

لا تحرِصَنْ فالحِرصُ ليسَ بزائدٍ
في الرِّزق بل يشقى الحريصُ ويتعبُ

ويظلُّ ملهوفـاً يـرومُ تحيّـلاً
والـرِّزقُ ليسَ بحيلةٍ يُستجلَبُ

كم عاجزٍ في الناسِ يأتي رزقُهُ
رغَـداً ويُحـرَمُ كَيِّـسٌ ويُخيَّـبُ

وارعَ الأمانةَ والخيانةَ فاجتنبْ
واعدِلْ ولاتظلمْ يَطبْ لكَ مكسبُ

وإذا بليت بنكبةٌ فاصبـرْ لهـا
مـن ذا رأيـتَ مسلَّماً لا يُنْكبُ

وإذارُميتَ من الزمانِ بريبـة

أونالكَ الأمـرُ الأشقُّ الأصعبُ

فاضرعْ لربّك إنه أدنى لمنْ
يدعوهُ من حبلِ الوريدِ وأقربُ

كُنْ ما استطعتَ عن الأنامِ بمعزِلٍ
إنَّ الكثيرَ من الوَرَى لا يُصحبُ

واحذرْ مُصاحبةَ اللئيم فإنّهُ
يعدي كما يعدي الصحيحَ الأجربُ

واحذرْ من المظلومِ سَهماً صائباً
واعلـمْ بـأنَّ دعـاءَهُ لا يُحجَـبُ

وإذا رأيتَ الرِّزقَ عَزَّ ببلـدةٍ
وخشيتَ فيها أن يضيقَ المذهبُ

فارحلْ فأرضُ اللهِ واسعة الفَضَا
طولاً وعَرضاً شرقُهـا والمغرِبُ

فلقدْ نصحتُكَ إنْ قبلتَ نصيحتي
فالنُّصحُ أغلى ما يُباعُ ويُوهَـبُ

وهذه القصيدة تسمى الزينبية التي ينسبها بعض الرواة إلى الخليفة علي رضي الله عنه وينسبها رواة كذلك إلى الشاعر صالح بن عبد القدوس الذي يقال إن أحد الخلفاء العباسيين اتهمه بالزندقة وصلبهو.

وهي قصيدة طويلة وينسب مضمونها في صلبها لعلي ابن أبي طالب مما يعني أنها لغيره وهاكها كاملة:

القصيدة الزينبية:

صرمت حبالك بعد وصلك زينب
والدهر فيه تصرم وتقلب

نشرت ذوائبها التى تزهى بها
سودا ورأسك كالثغامة أشيب

واستنفرت لما رأتك وطالما
كانت تحن إلى لقاك وترهب

وكذاك وصل الغانيات فانه
ال ببلقعة وبرق خلب

فدع الصبا فلقد عداك زمانه
وازهد فعمرك منه ولى الأطيب

ذهب الشباب فما له من عودة
وأتى المشيب فأين منه المهرب

ضيفا ألم إليك لم تحفل به
فترى له أسفا ودمعا يسكب

دع عنك ما قد فات فى زمن الصبا
واذكر ذنوبك وابكها يا مذنب

واخشوا مناقشة الحساب فانه
لابد يحصى ما جنيت ويكتب

لم ينسه الملكان حين نسيته
بل اثبتاه وأنت لاه تلعب

والروح فيك وديعة اودعتها
ستردها بالرغم منك وتسلب

وغرور دنياك التى تسعى لها
دار حقيقتها متاع يذهب

والليل فاعلم والنهار كلاهما
أنفاسها فيها تعد وتحسب

وجميع ما حصلته وجمعته
حقا يقينا بعد موتك ينهب

تبا لدار لا يدوم نعيمها
ومشيدها عما قليل يخرب

فاسمع هديت نصائحا اولاكها
بر لبيب عاقل متادب

صحب الزمان وأهله مستبصرا
ورأى الأمور بما تؤوب وتعقب

أهدى النصيحة فاتعظ بمقاله
فهو التقي اللوذعي الاذرب

لا تأمن الدهر الصروف فانه
لازال قدما للرجال يهذب

وكذلك الأيام فى غدواتها
مرت يذل لها الأعز الانجب

فعليك تقوى الله فالزمها تفز
إن التقي هو البهي الأهيب

واعمل لطاعته تنل منه الرضى
إن المطيع لربه لمقرب

فاقنع ففب بعض القناعة راحة
واليأس مما فات فهو المطلب

وإذا طمعت كسيت ثوب مذلة
فلقد كسي ثوب المذلة أشعب

وتوق من غدر النساء خيانة
فجميعهن مكائد لك تنصب

لا تأمن الأنثى حياتك إنها
كالأفعوان يراع منه الأنيب

لا تأمن الأنثى زمانك كله
يوما ولو حلفت يمينا تكذب

تغرى بحسن حديثها وكلامها
وإذا سطت فهى الثقيل الأشطب

واجه عدوك بالتحية لا تكن
منه زمانك خائفا تترقب

واحذره يوما إن اتى لك باسما
فالليث يبدو نابه إذ يغضب

إن الحقود وإن تقادم عهده
فالحقد باق فى الصدور مغيب

واذا الصديق رأيته متملقا
فهو العدو وحقه يتجنب

لا خير فى ود امرئ متملق
حلو اللسان وقلبه يتلهب

يلقاك يحلف أنه بك واثق
وإذا توارى عنك فهو العقرب

يعطيك من طرف اللسان حلاوة
ويروغ منك كما يروغ الثعلب

واختر قرينك واصطفيه تفاخرا
ان القرين إلى المقارن ينسب

إن الغني من الرجال مكرم
وتراه يرجى ما لديه ويرهب

ويبش بالترحيب عند قدومه
ويقام عند سلامه ويقرب

والفقر شين للرجال فانه
يزرى به الشهم الأديب الانسب

واخفض جناحك للاقارب كلهم
بتذلل واسمح لهم إن اذنبوا

ودع الكذوب فلا يكن لك صاحبا
ان الكذوب لبئس خلا يصحب

وذر الحسود ولو صفا لك مرة
ابعده عن رؤياك لايستجلب

وزن الكلام اذا نطقت ولا تكن
ثرثارة فى كل ناد تخطب

واحفظ لسانك واحترز من لفظه
فالمرء يسلم باللسان ويعطب

والسر فاكتمه ولا تنطق به
فهو الأسير لديك إذ لا ينشب

واحرص على حفظ القلوب من الأذى
فرجوعها بعد التنافر يصعب

إن القلوب إذا تنافر ودها
شبه الزجاجة كسرها لا يصعب

وكذلك سر المرء إن لم يطوه
نشرته ألسنة تزيد وتكذب

لا تحرصن فالحرص ليس بزائد
فى الرزق بل يشقى الحريص ويتعب

ويظل ملهوفا يروم تحيلا
والرزق ليس بحيلة يستجلب

كم عاجز فى الناس يؤتى رزقه
رغدا ويحرم كيس ويخيب

أدى الأمانة والخيانة فاجتنب
واعدل ولا تظلم يطيب المكسب

وإذا بليت بنكبة فاصبر لها
أوقد رايت مسلما لا ينكب

وإذا أصابك فى زمانك شدة
وأصابك الخطب الكريه الأصعب

فالجا لربك إنه أدنى لمن
يدعوه من حبل الوريد واقرب

كن ما استطعت عن الأنام بمعزل
إن الكثير من الورى لا يصحب

واجعل جليسك سيدا تحظى به
حبر لبيب عاقل متادب

واحذر من المظلوم سهما صائبا
واعلم بأن دعاءه لا يحجب

وإذا رأيت الرزق ضاق ببلدة
وخشيت فيها أن يضيق المكسب

فارحل فأرض الله واسعة الفضا
طولا وعرضا شرقها والمغرب

فلقد نصحتك إن قبلت نصيحتى
فالنصح أغلى ما يباع ويوهب

خذها إليك قصيدة منظومة
جاءت كنظم الدر بل هى اعجب

حكم وآداب وجل مواعظ
أمثالها لذوي البصائر تكتب

فأصخ لوعظ قصيدة اولاكها
طود العلوم الشامخات الأهيب

أعنى عليا وابن عم محمد
من ناله الشرف الرفيع الأنسب

يارب صل على النبى وآله
عدد الخلائق حصرها لا يحسب