بعد أشهر قليلة من وصولي إلى مدريد، وفي أحد أيام الربيع الجميلة من سنة 2008، تلقيت مكالمة هاتفية من رئيس الأركان العامة للجيوش الإسبانية الجنرال سانس رولدان Sanz Roldan وكان حينئذ الشخصية العسكرية الثانية فى إسبانيا بعد الملك خوان كارلوس الأول القائد الأعلى للقوات المسلحة الإسبانية، و دعاني إلى تناول الشاي فى مكتبه مشيرا إلى أنها دعوة شخصية لا تكتسي أي صبغة رسمية، وفي الواقع فقد فاجأتني دعوته لأنه لم تكن لي سابق معرفة بالرجل ولم أكن على علم بوجود ملف من ملفات التعاون العسكري بين البلدين في ذلك الوقت يستدعي الاجتماع برئيس الأركان الإسباني.
و لما ذهبت إليه استقبلني بحفاوة في مكتبه الواقع على مقربة من شارع ” الباسيو دي كاستيانا ” حيث يحلو جو العاصمة الإسبانية عندما تورق الأشجار و تتفتح الأزهار على جنبات شوارع مدريد وميادينها الفسيحة. وجدته قد نثر على طاولة مستديرة وسط مكتبه خرائط قديمة لقرية صغيرة اسمها Ucles “أقليش” تبعد 90 كم عن مدريد. قال لي إنها مسقط رأسه وأن لها خصوصية تاريخية هي سر دعوته لي. أخبرني وهو يشير إلى إحدى الخرائط أنه فى هذا المكان بالذات قبل تسعة قرون – وبالضبط في 29 مايو 1108 ميلادية – دارت معركة فاصلة بين المرابطين والجيش الاسباني.
وأخبرني أنه ينوي تنظيم حفل خاص لتخليد ذكرى مرور تسعة قرون على هذه معركة التاريخية وأنه يأمل أن يتم إحياء هذه المناسبة بحضور ضباط من الجيش الموريتاني، و أسرّ إليّ أنه تعمد ألا يدعو غير الموريتانيين لأنه يعتبرهم أحفاد المرابطين وورثتهم الحقيقيون.
فشكرت الجنرال رولدان ووعدته بالرد سريعا بعد الحصول على موافقة السلطات المختصة في بلادي.
تصورت طبعا أن المعركة انتهت لصالح الأسبان إذ لم يدر بخلدي أن قائد الجيش الاسباني يمكن أن يسعى بكل هذا الحماس إلى إحياء ذكرى هزيمة أسلافه !
و كم كانت دهشتي كبيرة عندما اكتشفت أن الجيوش الإسبانية هي التي منيت بهزيمة نكراء في معركة “أقليش” على يد جيش المرابطين بقيادة الأمير تميم بن يوسف بن تاشفين. و قد قتل في المعركة سانشو الفونسو ولي عهد ملك قشتيلية الفونس السادس الذي لم يشارك في القتال بسبب كبر سنه وكان عمره حينئذ سبعة وسبعين عاما.
و يكاد يجمع المؤرخون على أن “أقليش” تعتبر بعد معركة الزلاقة من أعظم انتصارات المسلمين فى الأندلس.
و بالفعل حضر وفد عسكرى موريتاني حفل ذكرى مرور تسعة قرون على معركة ” اقليش” وضم الوفد كلا من العقيد الطيب ولد محمد محمود والعقيد ولد ابراهيم بالإضافة إلي العقيد لمام ولد دحمد بوصفه الملحق العسكري بسفارة بلادنا في مدريد وحرص الجنرال فلكس رولدان على أن تحضر إلى جانب الضباط الموريتانيين مفرزة من الجنود الإسبان يمثلون المحاربين الأصليين بزيهم وسلاحهم القديم. وخصص التلفزيون الإسباني برنامجا للمناسبة أشاد فيه بالعلاقات الثقافية والتاريخ المشترك بين البلدين.
مقال لسيدي محمد ولد بوبكر الوزير الأول الموريتاني السابق والسفير الموريتاني السابق بمدريد.