أخبار العالمأخبار وطنيةالساحل والصحراءثقافة ودراسات

الحكومة الجديدة وإشكالية دسترة التنصيب المزدوج

د/ محمد عبد الجليل الشيخ القاضي
رئيس مركز نواكشوط للدراسات القانونية والاجتماعية

-تأطير تمهيدي
تختلف طريقة تنصيب الحكومة باختلاف النظام السياسي التي تتبناه كل دولة. ففي الأنظمة السياسية شبه الرئاسية التي يعتبر مثالها ألأبرز النظام السياسي الفرنسي الذي أسسه دستور1958، تباشر الحكومة بمجرد تعيينها من لدن رئيس الدولة مهامها الدستورية والقانونية دون حاجة إلى التصويت عليها من قبل الجمعية الوطنية الفرنسية. وهو ما تؤكده مقتضيات الفصل 49 من دستور 1958، والتي أعطت للحكومة الخيار في عرض برنامجها على الجمعية الوطنية للتصويت عليه أو مباشرة مهامها دون اللجوء إلى تصويت البرلمان.
ويعتبر التنصيب البرلماني للحكومة (كترجمة لفكرة المسؤولية السياسية) مظهرا من مظاهر البعد البرلماني التي أصبح يتسم بها النظام الدستوري الموريتاني، وإن كانت هذه التقنية في آلية تعيين الحكومة حديثة الدسترة في هذا النظام حيث لم يتم تبنيها إلا بموجب المراجعة الدستورية الثانية التي عرفها دستور1991 النافذ حاليا.
-كرنولوجيا المسار الدستوي التاريخي لتعيين الحكومة
في التجربة الدستورية الموريتانية الأولى (دستور 1959) كان الوزير الأول ينتخب من قبل البرلمان(م 11) نظرا لغياب مؤسسة رئاسة الجمهورية في النظام السياسي الذي أسسه هذا الدستور، لكنه يتمتع بسلطة مطلقة في تعيين وزراء حكومته (م13).
وبخصوص دستور 1961 الذي تم إقراره بعد الحصول على الاستقلال التام الذي أسس نظاما يوصف بأنه رئاسي، حيث لا وجود لمنصب الوزير الأول في النظام الذي أسسه هذا الدستور الذي استمر العمل به زهاء 18 سنة. فرئيس الجمهورية، طبقا لمقتضيات هذا الدستور، ينتخب بالاقتراع العام المباشر وهو الذي يقوم بتعيين وزراء حكومته وهم مسؤولون أمامه (ليسوا مسؤولين أمام البرلمان)، ويحدد السياسة العامة للأمة ويسهر على تطبيقها.
وخلال الفترة الفاصلة بين العاشر من يوليو 1978 و1991 لم تتفق المواثيق التي أصدرتها اللجان العسكرية المتعاقبة على الحكم طيلة هذه الفترة على شكل محدد للسطة التنفيذية. ففي مواثيق 1978 و1980 و1985 أسند إلى رئيس اللجنة العسكرية (رئيس الدولة) رئاسة الحكومة. أما مواثيق 06 إبريل 1979 و12 ديسمبر 1980، و25 إبريل 1981 فقد كرست إقامة سلطة تنفيذية ثنائية الرأس، حيث تم استحداث منصب وزير أول يرأس الحكومة، ويعتبر مسؤولا أمام رئيس اللجنة العسكرية، رئيس الدولة.
أما بالنسبة للدستور الحالي الذي تم إقراره بتاريخ 20 يوليو 1991، الذي اعتمد ثنائية السلطة التنفيذية فجاءت صيغته الأصلية خالية من تقييد “التعيين النهائي” للحكومة بالحصول على ثقة البرلمان، حيث تنص المادتان 30 و42 ( في صيغتهما الأصلية) على أن رئيس الجمهورية يعين الوزير الأول وينهي وظائفه. ويعين الوزراء باقتراح من الوزير الأول.”يحدد الوزير الأول سياسة الحكومة تحت إشراف رئيس الجمهورية. يوزع المهام بين الوزراء. يدير وينسق عمل الحكومة”.
وبموجب المراجعة الدستورية التي عرفها دستور 1991 في مارس 2012 أصبحت المادة 42 (الفقرة الثانية) تنص على ما يلي: “يقدم الوزير الأول برنامجه أمام الجمعية الوطنية في أجل أقصاه شهرا واحدا بعد تعيين الحكومة ويلتزم بمسؤولية الحكومة عن هذا البرنامج وفقا للشروط المبينة في المادتين 74 و75.

-توضيحات وملاحظات
نلاحظ ان مقتضيات الفقرة الثانية من المادة 42 من الدستور طبعها اختصار مخل،حيث لم تتناول الشروط والإجراءات التي تحكم تقديم الوزير الأول للبرنامج الحكومي أمام البرلمان ولا الموضوعات الرئيسية التي يجب أن يتضمنها البرنامج، على عكس ما درجت عليه نظيراتها في الدساتير المقارنة ( مثلا الفصل 88 من الدستور المغربي لسنة 2011 والفصل89 من الدستور التونسي لسنة 2014) وإنما اقتصرت على الإحالة على مقتضيات المادتين 74 و75 من الدستور.
ومقتضى هاتان المادتان (74 و75) يفيد بأن تقديم برنامج الوزير الأول أمام البرلمان والالتزام بمسؤولية الحكومة عنه تحكمه الضوابط والإجراءات التالية:
 يتوجب بدءا التداول بشأن البرنامج في مجلس الوزراء الذي يرأسه رئيس الجمهورية ( م25) قبل القيام بعرضه أمام الجمعية الوطنية؛
 بعد تقديم الوزير الأول للبرنامج أمام الجمعية الوطنية يخضع للنقاش من قبل النواب؛
 لا يتم الاقتراع على هذا البرنامج إلا بعد مرور ثمان وأربعين (48) ساعة من تاريخ عرضه على البرلمان؛
 في حالة ما إذا لم يحصل البرنامج على ثقة الجمعية الوطنية، بأن صوتت أغلبية النواب ضد البرنامج الحكومي، يتعين على الحكومة تقديم استقالتها فورا إلى رئيس الجمهورية.
-التنصيب البرلماني شرط دستوري للوجود القانوني للحكومة الجديدة
تأسيسا على ماسبق يتضح أن المشرع الدستوري دستر آلية التنصيب البرلماني، والتي بموجبها أصبح تعيين الحكومة يمر بمرحلتين:
مرحلة التعيين من لدن رئيس الجمهورية ومرحلة التنصيب من قبل البرلمان والتي يجب أن تتم داخل أجل شهر واحد على كحد أقصى ، وهو ما يجعل التعيين الرئاسي للحكومة لا يكفي وحده للوجود القانوني والفعلي للحكومة، نظرا إلى أن هذه الأخيرة ملزمة بعرض برنامجها على البرلمان خلال الأجل المحدد المشار إليه آنفا. وعلى إثر ذلك يتحدد مصيرها من خلال التصويت الذي يجريه نواب الجمعية الوطنية على هذا البرنامج، فإذا كانت أغلبية أصوات هؤلاء النواب مناوئة لبرنامج الحكومة المعينة، يتعين على الحكومة تقديم استقالتها الفورية الجماعية لرئيس الجمهورية. غير أن الحكومة المستقيلة تظل تسير الأعمال الجارية إلى أن يعين رئيس الجمهورية وزيرا أول وحكومة جديدين. مع الإشارة إلى أنه ليس هناك نص دستوري يمنع على رئيس الجمهورية تكليف نفس الوزير الأول (المستقيل بسبب عدم حصول برنامجه على ثقة الجمعية الوطنية) بتشكيل حكومة جديدة وصياغة برنامج حكومي جديد، أو حتى اللجوء إلى خيارات أخرى.
-إشكالات الفترة الفاصلة بين التعيين الرئاسي والتنصيب البرلماني
بعض الإشكالات المرتبطة بالآجال الفاصلة بين تعيين الحكومة وتنصيبها من طرف البرلمان، والتي حددها الدستور بشهر واحد:
فخلال هذه المدة هل تعتبر الحكومة لها وجود قانوني وفعلي، وبالتالي تملك كامل الصلاحيات الدستورية لمباشرة مهامها، أم أنها تظل طيلة هذه الفترة مجرد حكومة تصريف أعمال؟ لما يترتب على معرفة وضعية الحكومة خلال هذه الفترة من تحديد للطبيعة القانونية للقرارات والأعمال التي قد تتخذها الحكومة خلال هذه المدة الزمنية الفاصلة بين التعيين والتنصيب البرلماني؟
أرى أن التأويل الديمقراطي لمقتضيات المادتين 74 و75 من الدستور الموريتاني الحالي، يقتضي ألا تبدأ الحكومة الجديدة المعينة في ممارسة مهامها الدستورية إلا بعد الحصول على ثقة نواب الجمعية الوطنية، حيث يجب أن يقتصر دورها في فترة ماقبل الحصول على ثقة البرلمان على تصريف/تسيير الأعمال حرصا على اضطراد سير المرافق العمومية دون التوسع في ممارسة السلطة الوزارية. وبالتالي فإن الممارسات التي اعتادت عليها الحكومات المتعاقبة في موريتانيا خلال الفترات السابقة على المراجعة الدستورية 2012، والمتجسدة في مباشرة الحكومة لمهامها فور تعيينها من لدن رئيس الجمهورية، نظرا لاعتماد التنصيب الأحادي للحكومة (التعيين الرئاسي)، واستمرت تلك الممارسات حتى بعد تبني آلية التنصيب الحكومي المزدوج في المراجعة الدستورية 2012 ، والتي تترجم في الزيارات الميدانية وإصدار التعليمات للإدارات والمؤسسات القطاعية واتخاذ القرارات تعتبر ممارسات لاتستند إلى شرعية دستورية؛ لأن التعيين الرئاسي النهائي للحكومة يبقى معلقا على حصول هذه الأخيرة على ثقة البرلمان في أجل أقصاه شهر واحد من تاريخ تعيينها من قبل الرئيس.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

إغلاق